الاثنين، 18 أكتوبر 2010

سقطات الأنبياء

فكرة النبوة قائمة في أساسها على مبدأ الاصطفاء الإلهي، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلاتنا حول هذا الاصطفاء ما إذا كان نتيجة أم قرار. فكون الاصطفاء قراراً فهو يعني أسبقية الاصطفاء الإلهي أو المشيئة الإلهية على السلوك البشري، وبالتالي يُصبح الأمر من قبيل الإعداد المُسبق، وهو ما يجعل الشخوص التاريخية عرضة لهذا الاصطفاء؛ فقط يعتمد الأمر على من سيقع اختيار الإله؟ ومن سيقع عليه الاختيار ليس بالضرورة أن يكون مُؤهلاً للنبوة ذاتياً، وإنما يكتسب هذه الصفة لاحقاً بناءً على التأهيل الفوقي الذي يخضع له النبي، بحيث يُصبح الأمر تهيئة مُسبقة للنبوة وهو ما يجعل النبي معصومًا بموجب هذه المشيئة الإلهية المسبقة، وفي هذا يستوي البشر جميعاً، فقط في حال وقع الاختيار على أحدهم، وهو ما يتنافى مع مبدأ العدالة؛ إذ يجعلنا نتأكد من مصدر السلوك الخيّر والشرير، وبالتالي نطرح تساؤلنا حول: لماذا يُعاقب الإله على السلوك الذي يختاره أفراد أراد لهم أن يكونوا أشراراً، ويُثيب على السلوك الذي يختاره لأفراد آخرين أراد لهم أن يكونوا أخياراً؟ وإذا كان الاصطفاء قائماً على سلوك بشري مستقل عن الإرادة والمشيئة الإلهية فإن هذا يجعلنا ننزع عن هؤلاء الأنبياء صفة العصمة المُطلقة، لأن سلوكهم في نهايته هو سلوك بشري يُمكن توافره في أيّ شخص آخر. ولكن طبيعة الأمر أن ثمة اصطفاء إلهي معلوم؛ لذا نقرأ في القرآن {{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}}[آل عمران:33] وكذلك: {{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}}[النمل:59] وكذلك: {{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}}[البقرة:130]

في هذا المبحث البسيط سوف أحاول تقصي سقطات الأنبياء التاريخية والتي تم إسدال الستار عليها بوضع هالة من القداسة على هؤلاء الشخوص باعتبارهم أنبياء تم اختيارهم واصطفاؤهم بعناية من قبل الإله ليبلغوا رسالته ودعوته، وليكونوا للناس بمثابة المصابيح المنيرة والأنجم التي يهتدون بها في حوالك الليالي المُدلهمة، وسوف أعتمدُ في بحثي هذا على ما جاء من كُتب التفاسير المُعتمدة تجنباً للخوض في مغالطات تاريخية يصعب إثباتها أو نفيها على وجه الإطلاق، لنقف بعد ذلك على إمكانية التصديق ببراءة هذه الشخصيات، ونقائها الذي يخوّلها للنبوة من عدمه، وسوف نقتصر مبحثنا على بعض الأنبياء ممن وقفنا على سقطاتهم، ووقف عليها غيرنا آخرون.

أولاً: نـــــوح
يُعتبر نوح أحد الأنبياء الذين شملهم الاصطفاء الإلهي بناءً على الآية [33] من سورة آل عمران، وقد ورد ذكره في كثير من المواقع في القرآن، كما أنه معدود ضمن قائمة أولي العزم من الرسل والتي تتضمن إبراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد حسب أشهر الروايات؛ إلا أن بعض الروايات تضيف هوداً وشعيباً إلى القائمة كما جاء عن قتادة، وبعضهم يُضيف إسماعيل، ويعقوب وأيوب كما جاء عن ابن جريج، والبعض يُضيف صالحاً وسليمانَ كما نقل ابن مردويه عن ابن عباس، وهنالك روايات تعد أولي العزم من الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً كما نقل عن جابر بن عبد الله. وعلى أية حال فإن المشهور أن هؤلاء الخمسة ثابتون في كل القوائم المختلف عليها.

وقد جاء في قصة الطوفان أن الإله وعد نوحاً بنجاة أهله ممن آمنوا معه، ولكن ابنه يام (وقيل كنعان كما في تفسير ابن كثير) غرق ضمن من غرقوا من الكافرين وجاءت آيات تصف هذا المشهد في سورة هود؛ إذ نقرأ: {{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}}[هود:42/43] والحقيقة أن ثمة خلافاً كبيراً حول هذا الابن الذي غرق في الطوفان، فالبعض يذهب إلى أنه ابن نوح فعلاً، وعلى هذا فهم يُقدمون نقدهم لنوح على إصراره في أن يركب ابنه معه رغم معرفته المُسبقة بأنه كافر، وأن وعد الإله له استثناء الكافرين بقوله: {{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}}[هود:40] إذن أفلم يكن نوح يعلم بكفر ابنه، وهو من أهل بيته؟ الراجح أنه كان يعلم، وعلمه هذا لم يمنعه -على نبوته- أن يُجادل الإله في إنقاذ ابنه، وأن يتجنى عليه بقوله {{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}} رغم أن الاستثناء كان واضحاً وصريحاً {{وأهلك إلا من سبق عليه القول}} فكان من المعلوم إذن مَن مِن أهله سيكون معه، ومن سيكون من المُغرقين، ولكنه رغم ذلك جادل واعترض، وقد تلقى توبيخاً من الإله على ذلك في قوله: {{فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلين}}

الأمر الآخر يكمن في قوله: {{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}} فقد توقف بعض المُفسرون والمؤرخون عن قوله {{إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}} ففما ذهب المُفسرون إليه: اعتبار الضمير المتصل في [إنه] الثانية إلى سؤاله، أي سؤال نوح عن سبب عدم إنقاذ الإله لابنه، فقالوا إن العمل الغير صالح هو سؤال نوح عن ابنه وعدم إنقاذه [أو اعتراضه بصفة عامة]، وأرى أن ذلك من تلفيقات المُفسرين، لأن صياغة الجُملة لا تحمل هذا المعنى على الإطلاق، فالكلام هنا كان حول الابن وبصورة مباشرة {{إنه ليس من أهلك}} فيُصبح المقصود بالعمل الغير صالح هنا هو الابن. وقد عرف بعض المُفسرون استحالة تفسير الآية على غير ذلك؛ إلا أنهم ذهبوا إلى أن سبب عدم صلاح ابن نوح يكمن في كونه كافراً، ولكنهم تناسوا عندئذ تلك الآية التي تذكر زنا امرأة نوح والتصريح بذلك في قوله: {{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}}[التحريم:10] ورغم أن المُفسرين يذهبون إلى أن خانتهما كان في مخالفتهما لزوجيهما في الدين، وأنهم بنوا على ذلك قاعدة تنفي زنا امرأة نبي قط؛ إلا أننا لا نرى ذلك، فنبوة النبي القائمة على الاصطفاء لا تشمل زوجته بالضرورة، وإلا لكانت جزءاً من النبوة وهذا غير وارد، ونحن نرى أن نساء الأنبياء، كأيّ من النساء، من الممكن أن تكون صالحة ومن الممكن أن تكون غير ذلك، ولا نرى ما يمنع من فساد أخلاق نساء الأنبياء إلا أن يكن نبيّاتٍ هن أيضاً.

وقد تطرقتُ فيما سبق إلى احتمالات الاصطفاء الإلهي بكونه نتيجةً أو قراراً، ورأينا أن الراجح أن الاصطفاء قرار لا نتيجة، وهذا القرار لا يشمل أهل بيته بالتأكيد، وبالتالي فإن احتمالات عدم صلاح أهل البيت متساوية بالتناصف مع احتمالات الصلاح، ولا شيء يجعلنا نقول بأن زوجات الأنبياء لا يُمكن أن يأتين فاحشة؛ لاسيما وإن لم يكن على دين أزواجهن، ذلك لأن اختلاف المعتقد قد يُفسد الود الزواجي، وبالتالي قد يُؤثر على شكل العلاقة الزواجية، ولا ندري ما الذي منع لوطاً، ونوحاً من قبل من تطليق زوجتيهما؛ لاسيما أنهما كانتا كافرتين!

ومن ناحية أخرى فإننا لا نجد أيّ معنى لربط الخيانة بالزواج إلا أن تكون خيانة بإتيان فاحشة، وإذا قرأنا الآية التي تلي الآية [10] من سورة التحريم الواردة أعلاه: {{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}} نجد أن المثل مضروب للذين آمنوا بامرأة فرعون، ولكن لم يرد أيّ ذكر للخيانة لا من ناحية فرعون ولا من ناحية زوجته، فإذا كانت الخيانة معناها اختلاف الدين كما يذهب المفسرون، فلماذا لم يذكر القرآن أن امرأة فرعون خانته كذلك طالما أن الخيانة هنا لا تعني إلا مخالفة الدين؟

وهذا الظن ليس حصراً علينا بالتأكيد، فمن المُفسرين من ذهب إلى ذلك أيضاً كما نقرأ في تفسير القرطبي والذي جاء فيه نصاً: "عَمَل غَيْر صَالِح . قَالَ قَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن : مَعْنَى عَمَل غَيْر صَالِح أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشه وَلَمْ يَكُنْ اِبْنه . وَكَانَ لِغَيْرِ رِشْدَة , وَقَالَهُ أَيْضًا مُجَاهِد . قَالَ قَتَادَة سَأَلْت الْحَسَن عَنْهُ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا كَانَ اِبْنه ; قُلْت إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ نُوح أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ مِنِّي , وَهَذِهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ كَانَ اِبْن اِمْرَأَته مِنْ زَوْج آخَر ; فَقُلْت لَهُ : إِنَّ اللَّه حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " " وَنَادَى نُوح اِبْنه " وَلَا يَخْتَلِف أَهْل الْكِتَابَيْنِ أَنَّهُ اِبْنه ; فَقَالَ الْحَسَن : وَمَنْ يَأْخُذ دِينه عَنْ أَهْل الْكِتَاب ! إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ . وَقَرَأَ : " فَخَانَتَاهُمَا " [ التَّحْرِيم : 10 ] . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : نَادَاهُ وَهُوَ يَحْسَب أَنَّهُ اِبْنه , وَكَانَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشه , وَكَانَتْ اِمْرَأَته خَانَتْهُ فِيهِ , وَلِهَذَا قَالَ : " فَخَانَتَاهُمَا" وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى قَوْل الْحَسَن وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : أَنَّ الْوَلَد لِلْفِرَاشِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ نُوح مَا قَالَ آخِذًا بِظَاهِرِ الْفِرَاش . وَقَدْ رَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : نَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ مِنْ أَجْل اِبْن نُوح عَلَيْهِ السَّلَام ; ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر فِي كِتَاب " التَّمْهِيد ". وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر ) يُرِيد الْخَيْبَة" [المصدر: تفسير القرطبي] وكذلك قال الحسن والشعبي وابن جريج.

الأمر الآخر الذي نأخذه على نوح أنه ضاق ذرعاً بالدعوة، ويئس من قومه الذين لم يستجيبوا لدعوته، فراح يدعوا عليهم بقوله: {{وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا}} فهو هنا يطلب من إلهه أن يزيدهم في ضلالهم، وهو سلوك مُستغرب من نبي معدود في أولي العزم من الرسل، وقنوط لا يجب أن يتصف به نبي مُصطفى من الإله، كما أننا نقرأ قوله كذلك: {{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}} فهو هنا يُطلب من إلهه أن يُبيد الكافرين عن بكرة أبيهم، ولا أدري إن كان من صلاحيات الأنبياء أن يدعوا بدعاء مثل ذلك؟ كما أننا نعلم أن الرسل، قبل محمد، إنما أُرسلوا إلى أقوام بعينهم، فإذا كفر قومه ولم ينجح في هدايتهم، فلماذا يطلب إبادة الكفار على الأرض جميعاً؟ وهل كان بالإمكان أن يُطلق نوح على بقية البشر ممن لم يُرسل لهم [كفاراً] ليُطالب بإبادتهم كذلك؟ ثم فلنقرأ تبريره لهذا الطلب الوحشي {{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}} الحقيقة أن هذا التبرير واهٍ إلى أبعد الحدود كما أن فيه جهلاً لا يليق بني على الإطلاق، وكأن الضرورة تقتضي ألا يلد الكافر إلا كافرًا.

فإذا قارنا هذا الكلام وهذا السلوك التعميمي المُخل بما ورد عن محمد (رسول الإسلام) في الأثر مما يذكره عن نفسه وهو مشهور في كتب السيرة: "قال صلى الله عليه وسلم: "انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً " [متفق عليه] [المصدر: صيد الفوائد]

بمقارنة فعل محمد بفعل نوح، نجد أن ما قام به نوح يُعتبر منافياً للخلق الإلهي الذي من المفترض أنه قد تربى عليه مُسبقاً (أي قبل الاصطفاء)، ولكننا لا نجد أيّ عتاب من الإله تجاه هذا السلوك الهمجي، والذي يُخالف سُنة الإله نفسه في الخلق كما ورد في القرآن {{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}}[يونس:99] فإيمان الناس جميعاً ليس مطلوباً، بل ليس منصوصاً في سُنة هذا الإله على الإطلاق، فكيف يخرج عن سُنته، بل وكيف إذا خرج عنها لم يُعاقبه، ولم يوبّخه على ذلك؟

ثم فلنقف أخيراً على خاتمة دعائه، أيّ بعد أن دعا بإبادة أهل الأرض جميعاً من الكفار، فنجده يقول: {{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}} فهو يزيد على إصراره بأن يزيد الظالمين ضلالاً على ضلالهم، رغم أنه لم يُرسل إلا من أجل هدايتهم، فهل هذا سلوك نبي مُؤيّد من إله فعلاً؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق